المقالات

‏﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾¹⁴

قد يكون روتين الحجر المنزلي والوقت الفارغ الطويل الذي نقضيه في المنزل بصحبة أنفسنا قد زاد عن استيعابنا، وجعلنا نفكر كثيرًا ونفتح أبوابًا أضعنا مفاتيحها، فنحاول استعراض خط سيرنا طوال حياتنا؛ فأين نحن؟ ومن أين بدأنا؟ وإلى أين سننتهي؟

إذ أن كثيرًا منا وفي سن مبكرة يبدأ بالتخطيط لحياته ورؤية نجاحاته، فيرى ذلك الطريق الذي يبدأ بالدراسة ثم التخرج والوظيفة فالزواج وبناء العائلة. ومع سهولة هذه الخطة وترتيبها التناغمي القريب للقلب، إلا أن البعض قد يكتشف في وقت متأخر أنها لا تناسبه. إذ أن هذه الخطة عبارة عن قالب -موديل- من قوالب النجاح الأخرى.

فكما يسمونها (الصورة النمطية للنجاح) بمعنى أن الإنسان من صغره يحمل معه صورةً نمطية للنجاح، قد يختلف فيها حتى عن أخيه، إلا أن طريقة العيش والتربية المجتمعية قد تسلب منه حرية أخذ الفرص وشق الطريق المثالي بالنسبة له، فيجد نفسه على هذا الطريق بشكل لا إرادي، متجاهلًا احتمالية فشله العظمى لأن الطريق ليس طريقه.

وعلى سبيل المثال، لنرى أولئك الأشخاص المغامرين، المحبين للأعمال التجارية والخوض في أمور صعبة ومعقدة، تراهم في الغالب لا يبدعون في دراستهم، ليس عجزًا منهم بل لأنهم يرون أن الدراسة الجامعية مضيعة للوقت لأن طريقهم معروف وسعيهم للنجاح واضح والشهادة لن تزيدهم إلا وجاهةً اجتماعية لا أكثر. على عكس من يطمح بحرفةٍ يمتهنها كالطبيب مثلًا فتراه يبدع في دراسته لأن هذه السنوات هي المسؤولة عن نجاحه وحرف الدال قبل اسمه. إلا أن الأمر لا يقصر على الدراسة ونيل الشهادة الجامعية فحسب، بل قس عليها أمور الحياة كلها، فلا يوجد للنجاح إطار يلملم حدوده.

لذلك نرى البعض منا قد يبذل مجهودًا كبيرًا، يكافح فيه طيلة حياته، يلعق فيه كل آسٍ، يشفق فيه على نفسه ويشفق عليه حتى من لايعرفه، ليصل في النهاية لطريق مجهول لا يعرفه ولا يناسبه، ولو كان من البداية أو حتى من المنتصف قد تدارك طريقه واستعاد إدراكه لرأى أن هذه التربة ليست تناسب بذرته، ولا هذا الكتاب يناسب كلمته، ولو كان مجهوده في الأرض الأخرى لأثمر فيها التين والزيتون.

أخيرًا، دائمًا ما أحب أن أنهي مقالاتي باقتباسات تشمل اختصارًا للموضوع، إلا أنني في هذا المقال بالذات لا أستطيع أن أحدد لك في سطور تعريف النجاح، لأن تعريفي يختلف عن تعريفك، ولن أفرض عليك أمرًا آمنت به بسبب طريقة عيشي وظروف حياتي.

والخلاصة، في قول الرّسول ﷺ: “احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ …” -رواه مسلم-.

الإعلان

4 رأي حول “‏﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾¹⁴

  1. السلام عليكم ، شكراً على اختيار الموضوع ، …………………………………………………………………………………………………………
    غالباً ، وفي أغلب الأمور ، المشكلة في التعريفات ؟ ما هو النجاح ؟ هل هو الثروة ؟ هل هو السعادة؟ هل بالإمكان الجمع بينهما ؟ ولكن هناك سعداء بلا ثروة ، وهناك أثرياء بلا سعادة ! القاموس يذكر أن السعادة هي تحقيق الهدف المنشود ؟ فقد يكون الهدف المنشود ( الثروة ) وقد يكون ( الشهرة ) وقد يكون ( الإحترام والتقدير ) وحتى الناجحين لم يتفقوا على تعريف واحد للنجاح ؛ فتوماس اديسون يرى أن النجاح هو الإستمرار في المحاولة وعدم التوقف ، والكدح . وهناك من يقول أن النجاح هو أن لاتحيد عن مبادئك السامية . وهناك من يقول أن النجاح هو ما تشعر به أنت أنه نجاح . وهناك من يقول أن النجاح هو تعلم شيء جديد كل يوم . وهناك من يقول أن النجاح هو فهم الفرق بين الإحتياجات والرغبات . وهناك من يقول أن النجاح هو تحطيم جدار الخوف . وهناك من يقول أن النجاح هو الإيمان بأنك تستطيع . وهناك من يرى أن النجاح هو الرضا وراحة الضمير . وهناك من هو أكثر دقة ، فيقول أن 99% من النجاح هو الموقف المحمود الذي تذكر به ، وأن 1% منه هو الإستعداد والذكاء . ولو سألنا خبير التحفيز والنجاح ZIG ZIGLAR عن تعريفه للنجاح ، لقال : النجاح لا يمكن تعريفه بجملة واحدة ، ولكنه مكون من عدة عناصر ، وهو شيء نسبي ، كتعريف الجمال مثلاً ، إذاً : مفهوم النجاح يقوم على رؤية كل فرد بذاته .

    Liked by 1 person

  2. كلماتك جعلتني أتذكر الكثير من المواقف وأن ما أراه نجاحًا قد يراه البعض العكس ؛ ! لكن الأمر في النهاية يعود لتقييمي لذاتي وقدراتي وظروفي 🙂

    بارك الله فيك ونفع بكلماتك 💕

    Liked by 1 person

    1. صحيح، بوجهة نظري الانتقال من مرحلة توتر إلى مرحلة رضاء وراحة بال تعتبر نجاح قوي في إثبات الذات.
      وهذه تكون بعد مصارعة مع النفس وتكيف مع الظروف وإيجاد طريق مشترك بين النفس والظروف.
      شكرًا لمرورك أيها المجهول.

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s