
يقول الدكتور العراقي علي الوردي مستنكرًا: “ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الإختلاف.”
خلقنا الله في هذا العالم لنعيش فيه وسط قوالب هندسية فمنا المربع والآخر المثلث ومنا الدائرة وهناك المستطيلون وغيرهم أيضًا.
لكلٍ منا أبعاده ومقاساته الخاصة وكلٌ منا يعرف الطرق التي تناسبه وتحافظ على جمال شكله الهندسي الدقيق.
تخيل معي لو أنك مربع الشكل ذو أربع زوايا محددة وجميلة، ويشاء الله أن تتعرف على صديقك الدائري الكروي والذي لم يحدث له أن امتلك زواية واحدةً مثلك.
صديقك الدائري يحبك جدًا، ويرغب كل الخير لك، فبكامل الود منه دعاك مرة للدخول في أمرٍ يرغبه ويحبه إلا أنك لا ترى أن هذا الأمر يعنيك بل إنك موقن من أنه لا يناسبك ولا يصلح لك، لكن من دافع “حبه لك، ورغبته بتجربة الكثير من الأشياء معك” قررت أن “تجامله” على المضي معه، وحتى تستطيع أن تدخل من هذا الباب الدائري إضطريت أن تقص أطرافك المحددة الأربعة لتمضي مع صديقك، وبعد أن انتهى الأمر وجدت نفسك تحنّ لتك الزوايا الأربعة وتقول لو أني ولو أني.
من جهة أخر، مالم يدركه الدائري أنه غافلًا قد مارس الأذى على الضحية المربع ولكن بشكل ودود جدًا بحجة الحب والرغبة في “التشابه” الذي ينافي طبع الإنسانية.
بلا شك قد نكون عشنا ماذكر في المثال السابق أو على الأقل رأينا الدائري مارس أذاه على المربع.
العجيب أننا وبعد كل ذاك القدر من الألم والندم الذي تعرضنا له لا نزال نعيش ذات الأسلوب، فجانب يحمل على نفسه مجاملة حادة وجانب يؤذي بدافع الحب.
إنما نحن مخلوقات لا تقبل التشابه، فكل منا يحب أن يحيى بأبعاده وأن يموت فيها، لكن البعض منا عبثًا قد يحاول الخروج عن قالبه ظنًا منه أن القالب الآخر يبدو أكثر جمالًا أو أكبر أنصارًا. والحقيقة أن الجميع له مكانٌ في الصورة، والجميع يملك البهاء نفسه والتمكين نفسه وحتى المنفعة نفسها.
في المقابل، نجد أن الحل هو في سيادة التعايش وبطلان الرغبة في التشابه التي لا تثمر شيئًا إنما تقتل روعة الاختلاف وتخفي جمال الندرة.
أخيرًا، أختم بمقولة عجيبة لرائد الفضاء الأمريكي الألماني فرانك بورمان حيث قال: “حين تصل أخيراً إلى القمر وتنظر إلى الأرض، كل هذه الاختلافات والسّمات القومية ستندمج بشكل جيد، وستفهم المبدأ أن هذا لربّما فعلاَ عالم واحد بالفعل، وستتساءل: لماذا لا نستطيع أن نتعلّم التعايش معاَ كأُناس محترمين؟.”
نُشر بواسطة نورة الصنيع
الكتابة، والقراءة، والشعر. 📚✨
مؤسسة نادي الكُتّاب العرب @arabwriters_1
عرض كل المقالات حسبنورة الصنيع
السلام عليكم ،
يقول تعالى ( ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) . . . الاختلاف هو نافذة الإبداع ، وهو ميدان المنافسة ، وهو المحفز للأفضل ، وهو معيار النجاح في الدنيا والآخرة . الإختلاف هو كاسر الرتابة والقولبة ، وهو ملح الحياة ؟ لكل شيء ثمن ، وثمن الحرية هو الاحتلاف ، والإنسان اختار الحرية ، لذلك لابد من تحمل تبعاتها ( الإيجابية والسلبية ) ومبدأ الثواب والعقاب يقوم على الحرية ، ولولا هذا المبدأ فما معنى الدنيا والآخرة العليا . يبدو الأمر معقداً ؟ ولكن هذه حكمة الحياة على هذه الأرض ، فآدم عليه السلام منح الحرية ، وحُذر من سوء استغلالها ، ولكن ( مبدأ الخير واشر) كان حاضراً ليتم الصراع حتى يوم القيامة .
كتب الفيلسوف والروائي الإيطالي ( UMBERTO ECO ( 1932 – 2016 كتاباً عن ( القبح أو الدمامة ) وهو يقول في مقابل الفلسفة الإغريقية التي تقول ( إن الجمال هو عملية تناسق ) أن القبح هو غياب ذلك التناسق ، إلا أن القبح هو أكثر إبداعاً من الجمال الذي يتقوقع في قوالب ثابتة . أوردت هذا كمثال على أن الاختلاف أفضل للحياة من الرتابة واللون الواحد ؟ ولكن المشكلة ليست في الاختلاف ذلته ، وإنما في وعي الناس وأخلاقهم !
إعجابLiked by 1 person
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبًا بك أ. عبدالله،
شاكرة لك مرورك وتعليقك الثري.
إعجابإعجاب
كلمات جميلة ومقالة واسعة الأبعاد ؛ الجدير بالذكر أنها ذكرتني بالآية الكريمة التي ذكر فيه الحق تبارك وتعالى الاختلاف بين البشر وأن في الاختلاف منفعة لهم ( ليتخذ بعضهم بعضًا سخريا )
قال تعالى : ” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَٰتٍۢ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”
بارك الله فيك يا أ/نورة ♥️
إعجابLiked by 1 person
مرحبًا بك أيها الزائر
وشكرًا على اعجابك.
إعجابإعجاب