أمومة

365 يومًا من الحب

31 أكتوبر 2020

أكملت أميرتي الصغيرة عامها الأول، عامًا ولدنا فيه جميعًا، فخرجت هي على دنياها الصغيرة، وأنا خرجت لأجد عالمًا نقيًّا اسمه الأمومة.

بعد عامها الأول، تعرفت على شخص فيّ جديد فقد غيرت فيّ هذه الصغيرة مالم تغيره ظروف أكبر منها، فلم أكن أعتقد من قبل أن بمجرد كوني أمًا سأتنازل عما كان ضروريًا من قبل أو أني سأقبل بما كنت أرفضه سابقًا.

ولدت صغيرتي وبيدها ساعتي تتحكم بعقاربها، فلم يكن لي من أمر وقتي شيء، ولم أكن أستطيع أن أجدول أعمالي كما في السابق، فابتعدت عن التدوين لفترة طويلة لم أعهدها وعن أشياء أخرى محببة لنفسي كثيرًا، ليس تقصيرًا إنما حاجة هذه الرضيعة كثيفةٌ جدًا وربما تفوق مساحة وقتي في بعض الأحيان؛ وفي هذا الصدد أحب دائمًا أن أطمئن كل والدين جديدين أن السنة الأولى تشابه اضطراب الوقت عند الرحلات الجوية الطويلة فلا يلام طرفٌ على تقصيره لأنه لم يكن هناك تقصيرٌ في الأصل.

قبل ولادتها قرأت كثيرًا وسألت كثيرًا محاولة تعبئة كل ثغرة وفهم كل نقطة أجهلها في مجال الرعاية والتربية.

كان كابوسي الوحيد هو أن أكون الأم التي لا أرغبها لنفسي قبل أن أكون الأم التي لا ترغبها هذه الصغيرة الجاهلة بعالمها الجديد.

آمنت أولًا بأن التربية تبدأ منذ أول لقاء بيننا، وأيقنت أن عقلها الصغير وعاء فارغ وأرض خصبة ستمتلئ بكل ما تحضره من أصوات وحركات وإيماءات، فحاولت أن أكون حُبًا ومرشدًا في نفس الوقت.

فبدأت بتقريبها مني فلم تذق إلا لبنًا خصه الله لها مستساغًا لذوقها، مقويًا لعودها، لا يزيدنا إلا حميميةً وقربًا.

كبرت الصغيرة على صوتي وحبي وفي حضني، وفي شهرها الرابع اشترى لها والدها أول كتاب ينضم لمكتبتها الصغيرة، لم تكن تدرك أن الكتاب سينقلها إلى عوالم أخرى عديدة، عوالم أكبر من عقلها الصغير الذي تحده جدران المنزل، فتزايد عدد كتبها حتى أصبحت مكتبتها تحوي ٦ كتب بمعدل كتاب في كل شهر. أصبحت صغيرتي الآن تملك أغنيةً لكل كتاب، وصوتًا لكل صورةً، وحتى مزاجًا لكل قصة. أصبحت كتبها أحب إليها من ألعابها المترامية في زوايا المنزل، وصارت فرحتها بشراء كتاب جديد مساويةً لفرحتها بالتعرف على صديق جديد.

فلم يكن دخول كتاب جديد سهل علينا كمربين، بل كنا نأخذه كمنهج جديد فنقف عند كل صورة لنبني بينها وبين صغيرتنا حوارٌ وقصة لا تنساها.

حتى أصبح لديها الكثير من الأصدقاء الذين بنت معهم علاقات وأغانٍ وذكريات كالقرد الصغير، والسمكة الحمراء وجميلة الصغيرة ذات الضفيرتين.

المكتبة الصغيرة بدت لاتتسع للمزيد

أقول هذا كمثال على قدرة عقول أطفالنا الصغيرة على الاستيعاب والإدراك، والجاهزية لبناء علاقات مع كل الأشياء حولهم، فمن حقهم تسخير أجواء تناسبهم ليبنوا بأنفسهم صداقات تملأ فراغات في عقولهم فهم ليسوا كما نعتقد لا يعرفون الا البكاء وقت احتياجهم للجوع أو للنوم.

لذلك، علاقتنا مع أطفالنا في بداية عمرهم هي أكثر فترة تمنحنا إلتصاقًا وتلاحمًا ببعضنا، وهي أكبر فرصةٍ لنبني داخلهم أركانًا سليمةً مادامت عقولهم تستجيب بلا نعم أو لا.

ختامًا، هذه لفتاتٌ من بدايات رحلتي القصيرة والممتدة لـ٣٦٥ يوم، التي وقعنا فيها وسط كثيرٍ من الحفر، لكننا نظل ننسج ثيابنا بنفس الشغف حتى يأذن الله لها بالاكتمال لنتزين بها ونضاهي بها.

“غير أن المرأة لا تصير أمّا بمجرد الإنجاب، بل عليها أن تتعلم الأمومة، إنها معرفة. يأخذ استيعابها عند البعض وقتًا أطول من الآخرين. فهناك مثيلاتي، من يجدن أنفسهن يرتعشن حتى العظام من هول التجربة.”
*إليف شفاق

11 رأي حول “365 يومًا من الحب

  1. احييك واحيي كل جزء من امومتك
    مقال يلامس القلب يلامس الحنان
    تصورت وشعرت بكل كلمه وكل احساس في هذا المقال
    تصورت علاقات القرد الصغير وجميلة الصغيره بعقل صغيرتك

    تنفست بعدما انتهيت من ‏القراءة وكانها فتحت زهرة بداخل قلبي

    Liked by 1 person

  2. السلام عليكم ،
    سعيد بسعادتكِ ، وعليم بمشاعركِ ، وشريك بوالديتكِ . . .
    أفضل هدية في هذه المناسبة ، هو كتاب تهمني قراءتكِ له ، ما هو العنوان ؟

    Liked by 1 person

  3. رغبت بالبكاء بعد قراءتي له، ولا أدري لماذا.
    هنيئًا لابنتكِ بكِ، أحببت هذا الجزء:”كان كابوسي الوحيد هو أن أكون الأم التي لا أرغبها لنفسي قبل أن أكون الأم التي لا ترغبها هذه الصغيرة الجاهلة بعالمها الجديد.”

    Liked by 1 person

  4. بالصدفة قرأت تدوينتك، كنها جات طبطبة عليا
    ما اخفي عليكِ بنتي في اول شهورها و جالسة اعيش صراعات مع نفسي و كيف اني مو قادرة اعمل شوية كنترول.
    ممتنة لك ❤️

    Liked by 1 person

    1. أهلًا اسراء 🌻
      سعيدة بالصدفة التي ساقت بكِ إلى مدونتي 💕
      صدقيني لا أحد يستطيع أن يكون مثاليًا من أول تجربة أو من أول سنة، كل ما عليك هو الاستمتاع بمراحل نمو ابنتكِ ومتابعتها تكبر بين كفيكِ يومًا بعد يومًا وسنةً بعد سنة. ♥️

      إعجاب

اترك رداً على نورة الصنيع إلغاء الرد