أمومة · المقالات

“ألا فكلُّكم راعٍ”

يقول الدكتور عبدالكريم بكار: “البدايات التربوية الجيدة تبدأ دائمًا من المنزل.”

لكل جذع صلب متين جذور ثابتة مستقرة. كذلك الإنسان لا يستقيم إلا إذا كان بناؤه سليمًا متوازنا على جانبيه النفسي والاجتماعي. إذ أن المرء ينشأ على ما استسقى خلال حياته الأولى وطفولته، ولا شك أن للوالدان اليد الطولى في نشأة هذا الإنسان منذ أن كان طفلًا؛ فالبيت هو المدرسة الأولى وصاحب المنهج الأول الذي تتكئ عليه أي معلومة مكتسبة من خارج هذا المنزل.

ولنعرف سلامة النتائج يجب علينا أن نعود إلى الطفولة وإلى سنوات الإنسان الأولى، ونرى المدخلات والملهيات التي كان عقله يتغذى عليها من منتجات غربية، كأفلام الكارتون وتطبيقات الأجهزة الذكية والألعاب الالكترونية، والتي قد يجهل البعض منا كونها كالشق في ثوب حرير ثمين.

فما الذي يحتاجه الطفل لبناء سليم مستقر؟ وما تأثير المنتجات الغربية على هذا العمر الصغير؟ والأهم ماهو العقار الذي يدرئ عنه كل سوء ويقيمه عن كل عوج؟

البناء النفسي؛ عقيدة القلب واللسان:

أولًا: الله قبل كل شيء، 

إن الخضوع والانقياد غريزة انسانية تُشعر الانسان بكماله، حتى وإن لم يعرف العبد ربه ابتدع له ربًا كما حدث في العصور الجاهلية. لذا فإن تربية الطفل تربية عقيدية موحدة صحيحة واشباعه بعظمة تقوى الله، وتقييد كل عمل برضى الله حبًا في الله ورغبة برضاه، هو أول مقوم وأول رادع عن كل شر. إذ أن العقيدة هي عمل القلب واعتقاده، والقلب هو محرك الانسان فإذا صلح القلب صلح العمل كله. في حين أننا نجد أن بناء هذه الركيزة يكاد ينعدم في هذه المنتجات الغربية التي تتعالى على خالقها إذ أنها تنكره أصلًا وإن آمنت به فهي تؤمن بولده وصاحبه!

 

ثانيًا: لسان عربي مبين، 

وعن قدرة اللغة في التفكير الإبداعي والتحصيل المعرفي يقول طه عبدالرحمن: “الكلمة عملية ذهنية للتفكير.” أي أن قوة اللغة تؤثر على طريقة التفكير واتخاذ القرارات وفهم النتائج، وكلما كانت اللغة رصينة ونقية كانت مخرجاتها أفضل ونتائج التفكير فيها أدق. فعندما نبني لغة عربية قوية لأطفالنا نحن نساعدهم على بناء موسوعة من المعلومات والاتجاهات المعرفية الصحيحة، إذ ورغم أن المصادر العربية قد تكون شحيحة في بعض العلوم والتوجهات إلا أن اللغة العربية تملك المصادر الصحيحة والمعلومات الدقيقة في المنهج الأساسي للحياة وهو المنهج الديني الإسلامي، فعندما تكون لغة أطفالنا لغة عربية أُم يستطيعون التفكير والاستعانة بها في البحث عندما تشتبه عليهم أمور الحياة، وبالتالي نتائج العربية أفضل بسبب البصمة الدينية الغالبة عليها والتي نريد أن يقوم عليها أساس أبناؤنا.

 

البناء الاجتماعي؛ نفسي والآخرون:

أولًا، التصورات الفطرية: 

في المسلسل الكرتوني البريطاني Peppa Pig حلقة بعنوان: “Meet Penny Polar Bear’s Mummies” يرسم فيها صغار الحيوانات أشكال عائلاتهم مع معلمة الصف، إذ يرسم Penny -الدب القطبي- شكل عائلته المكون من والداتاه المتزوجتان ويحكي عن كيف يمضي يومه مع أمهاته دون أي استغراب أو تعجب من بقية طلاب الصف أو من المعلمة. وكأن هذا الشكل الأسري فطري وطبيعي. 

فعندما يتعرض الطفل لمثل هذه الأفكار يصعب عليه أن يرى بعد كبره حقيقة هذا الأمر، وأن هذه العلاقة أو هذه العائلة قائمة على شكل غير سوي وشاذ! 

لذلك، عندما ندع الأطفال تحت رعاية هذه المنتجات الغربية فنحن نسمح لهذا الطفل البريء بحمل تصورات وأفكار مغلوطة تعاكس الطبيعة السليمة وندعم كل ما تروج له من أفكار تدعو بهتك هذه الفطرة. 

 

ثانيًا، الفردانية: 

أما على الجانب الآخر من البناء الاجتماعي، فعندما نتناول الأسلوب المتبع الذي يتعامل فيه الطفل مع المجتمع والشخصية التي يقابل بها مجتمعه وأقرانه. فإن هذه الأفكار الغربية تدعو بدعوة الفردانية الليبرالية حيث تحث المرء على نيل رغباته والوصول لأهدافه تحت راية الحرية المطلقة وتحت منظور الفيلسوف جون ستيوارت ميل الذي يقول: “أنت حر مالم تضر.” والتي تؤكد تحرر الإنسان من كل القيود إذا لم تلحق أفعاله أي أذية بالآخرين؛ الشيء المعاكس للشريعة الإسلامية حيث أن الحرية المطلقة بحد ذاتها مرفوضة، لأن الإسلام يملي على أتباعه حدود الله ونواهيه، والحرية في الإسلام هي في عبادة الله والخضوع له سبحانه ففيهما كمال المرء واتزانه، فعندما ينقاد المرء لشعائر الله فإنه يتحرر من شهواته وأهواءه.

إذًا، تقبل الطفل لهذه الأفكار ينتج عنه انسان ضائع بلا هوية بسبب التفكير من منظور غربي وجذور عربية اسلامية، فيذوب في الفراغ فلا هو ابن العرب ولا ابن الغرب.

أخيرًا، يجب أن نرشد أبنائنا على الصراط المستقيم، باختيار منتجات وملهيات عربية اسلامية سليمة تُقوم هذا الطفل وتربي فيه مسلمًا عربيًا يستطيع نبذ كل فكرة شاذة أو متطرفة. وأفضل من يعرف البديل المناسب هم الوالدان اللذان يدركان احتياجات طفلهم ونواقصه، إذ أن أغلب احتياجات الطفل بيد والديه. فالطفل أمانة وعلى الوالدين حسن الرعاية.

“عقول الأطفال أكبر مما نتخيل، وطاقة الاستيعاب عندهم أضعاف مانعطي لهم، وليس من المناسب أن يكون ما في عقول أطفال المسلمين لا يتعدى بعض أفلام الكرتون التي تتناول العنف والإثارة.” راغب السرجاني.

الإعلان

رأيان حول ““ألا فكلُّكم راعٍ”

  1. مرحباً ،
    شكراً على هذا الموضوع الهام الذي أراه في مجتمعنا كالمثل القائل ( الماء : أهون موجود ، وأعز مفقود ! )
    فأغلب ما نعانيه اجتماعياً – في رأيي – مصدره ضعف التأسيس لبناء شخصية الفرد منذ الولادة . لمــــــاذا ؟ لأنها عملية علمية صعـبة ( وليست ارتجالية ) كما هو السائد ، للأسف . غالبية الناس يتزوجون ، ويعدون العدة لكل شيء يحتاجه الزواج ، إلا أهم شيء ؟ وهو مهارة التربية ! فالواقع يشير إلى أن غالبية المتزوجين يتحولون آلياً إلى مربين بعد الإنجاب ( بعد 9 أشهر من الزواج تقريباً ! ) مع أن التربية تعتبر من أصعب المهن ، وتتطلب الكثير من العلم والخبرة والفطنة ! ومع أن الناس – حقيقة – يجاهدون في سبيل مستقبل أولادهم بكل ما يملكون ، إلا أن هذا لا يوفر للطفل إلا المتاع المادي والنجاح الزائف ؟ وبناءً على عنوان المقال ، فالناس يحصرون الرعاية المطلوبة منهم بتوفير الرعاية والغذاء والدواء . . ، إلا أن الرعاية الأهم من كل ذلك ، هي الرعاية التربوية السليمة .
    ومن الواضح للباحث في شأننا الاجتماعي أن هناك خلل ما في بناء الإنسان ، شخصيته تحديداً . والواقع يصدق ذلك ، فالكثير من الناس يشكون من صعوبة التعامل مع أولادهم ، خاصة في مرحلة المراهقة ، جاهلين أن أساس هذه الصعوبة هو عدم التركيز على مرحلة الطفولة المبكرة ( من الولادة حتى سن 5 سنوات ) وأن التربية أهم من التعليم الذي هو همهم الأول ، مع أن التعليم فقط لا ينتج لنا إنساناً سوياً ، وإنما ينتج لنا آلة أو مسمار في آلةٍ ضخمة ، هي المجتمع ؟ ! لابد من بناء الشخصية المتوازنة ( فكرياً ، وجدانياً ، بدنياً ) .
    يــقــول الــمــثــل : الكل يتقن مهارة التربية ، إلا من لديه أطفال ؟؟؟ !!!

    Liked by 2 people

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s